سورة الزخرف - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35) وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)}
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى أجاب عن الشبهة التي ذكروها بناء على تفضيل الغني على الفقير بوجه ثالث وهو أنه تعالى بيّن أن منافع الدنيا وطيباتها حقيرة خسيسة عند الله وبين حقارتها بقوله: {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً واحدة} والمعنى لولا أن يرغب الناس في الكفر إذا رأوا الكافر في سعة من الخير والرزق لأعطيتهم أكثر الأسباب المفيدة للتنعم أحدها: أن يكون سقفهم من فضة.
وثانيها: معارج أيضاً من فضة عليها يظهرون.
وثالثها: أن نجعل لبيوتهم أبواباً من فضة وسرراً أيضاً من فضة عليها يتكئون.
ثم قال: {وَزُخْرُفاً} وله تفسيران أحدها: أنه الذهب والثاني: أنه الزينة، بدليل قوله تعالى: {حتى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وازينت} [يونس: 24] فعلى التقدير الأول يكون المعنى ونجعل لهم مع ذلك ذهباً كثيراً، وعلى الثاني أنا نعطيهم زينة عظيمة في كل باب، ثم بيّن تعالى أن كل ذلك متاع الحياة الدنيا، وإنما سماه متاعاً لأن الإنسان يستمتع به قليلاً ثم ينقضي في الحال، وأما الآخرة فهي باقية دائمة، وهي عند الله تعالى وفي حكمه للمتقين عن حب الدنيا المقبلين على حب المولى، وحاصل الجواب أن أولئك الجهال ظنوا أن الرجل الغني أولى بمنصب الرسالة من محمد بسبب فقره، فبيّن تعالى أن المال والجاه حقيران عند الله، وأنهما شرف الزوال فحصولهما لا يفيد حصول الشرف، والله أعلم.
المسألة الثانية: قرأ ابن كثير وأبو عمرو {سَقْفاً} بفتح السين وسكون القاف على لفظ الواحد لإرادة الجنس، كما في قوله: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ} [النحل: 26] والباقون سقفاً على الجمع واختلفوا فقيل هو جمع سقف، كرهن ورهن، قال أبو عبيد: ولا ثالث لهما، وقيل السقف جمع سقوف، كرهن ورهون وزبر وزبور، فهو جمع الجمع.
المسألة الثالثة: قوله: {لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ} فقوله: {لِبُيُوتِهِمْ} بدل اشتمال من قوله: {لِمَن يَكْفُرُ} قال صاحب الكشاف: قرئ معارج ومعاريج، والمعارج جمع معرج، أو اسم جمع لمعراج، وهي المصاعد إلى المساكن العالية كالدرج والسلالم عليها يظهرون، أي على تلك المعارج يطهرون، وفي نصب قوله: {وَزُخْرُفاً} قولان: قيل لجعلنا لبيوتهم سقفاً من فضة، ولجعلنا لهم زخرفاً وقيل من فضة وزخرف، فلما حذف الخافض انتصب.
وأما قوله: {وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا} قرأ عاصم وحمزة {لَّمّاً} بتشديد الميم، والباقون بالتخفيف، وأما قراءة حمزة بالتشديد فإنه جعل لما في معنى إلا، وحكى سيبويه: نشدتك بالله لما فعلت، بمعنى إلا فعلت، ويقوي هذه القراءة أن في حرف أبي، وما ذلك إلا متاع الحياة الدنيا، وهذا يدل على أن لما بمعنى إلا، وأما القراءة بالتخفيف، فقال الواحدي لفظة ما لغو، والتقدير لمتاع الحياة الدنيا، قال أبو الحسن: الوجه التخفيف، لأن لما بمعنى إلا لا تعرف، وحكي عن الكسائي أنه قال: لا أعرف وجه التثقيل.
المسألة الرابعة: قالت المعتزلة: دلت الآية على أنه تعالى إنما لم يعط الناس نعم الدنيا، لأجل أنه لو فعل بهم ذلك لدعاهم ذلك إلى الكفر، فهو تعالى لم يفعل بهم ذلك لأجل أن يدعوهم إلى الكفر، وهذا يدل على أحكام أحدها: أنه إذا لم يفعل بهم ما يدعوهم إلى الكفر فلأن لا يخلق فيهم الكفر أولى.
وثانيها: أنه ثبت أن فعل اللطف قائم مقام إزاحة العذر والعلة، فلما بيّن تعالى أنه لم يفعل ذلك إزاحة للعذر والعلة عنهم، دل ذلك على أنه يجب أن يفعل بهم كل ما كان لطفاً داعياً لهم إلى الإيمان، فصارت هذه الآية من هذا الوجه دالة على أنه يجب على الله تعالى فعل اللطف.
وثالثها: أنه ثبت بهذه الآية، أن الله تعالى إنما يفعل ما يفعله ويترك ما يتركه لأجل حكمة ومصلحة، وذلك يدل على تعليل أحكام الله تعالى وأفعاله بالمصالح والعلل، فإن قيل لما بيّن تعالى أنه لو فتح على الكافر أبواب النعم، لصار ذلك سبباً لاجتماع الناس على الكفر، فلم لم يفعل ذلك بالمسلمين حتى يصير ذلك سبباً لاجتماع الناس على الإسلام؟ قلنا لأن الناس على هذا التقدير كانوا يجتمعون على الإسلام لطلب الدنيا، وهذا الإيمان إيمان المنافقين، فكان الأصوب أن يضيق الأمر على المسلمين، حتى أن كل من دخل الإسلام، فإنما يدخل فيه لمتابعة الدليل ولطلب رضوان الله تعالى، فحينئذ يعظم ثوابه لهذا السبب.
ثم قال تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} والمراد منه التنبيه على آفات الدنيا، وذلك أن من فاز بالمال والجاه صار كالأعشى عن ذكر الله، ومن صار كذلك صار من جلساء الشياطين الضالين المضلين، فهذا وجه تعلق هذا الكلام بما قبله، قال صاحب الكشاف: قرئ {وَمَن يَعْشُ} بضم الشين وفتحها، والفرق بينهما أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل عشي، وإذا نظر نظر العشي ولا آفة به، قيل عشى ونظيره عرج لمن به الآفة، وعرج لمن مشى مشية العرجان من غير عرج، قال الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ***
أي تنظر إليه نظر العشي، لما يضعف بصرك من عظم الوقود واتساع الضوء، وقرئ يعشو على أن من موصولة غير مضمنة معنى الشرط، وحق هذا القارئ أن يرفع {نُقَيِّضْ} ومعنى القراءة بالفتح، ومن يعم عن ذكر الرحمن وهو القرآن، لقوله: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة: 18] وأما القراءة بالضم فمعناها ومن يتعام عن ذكره، أي يعرف أنه الحق وهو يتجاهل ويتعامى، كقوله تعالى: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ} [النمل: 14]، و{نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً} قال مقاتل: نضم إليه شيطاناً {فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}.
ثم قال: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السبيل} يعني وإن الشياطين ليصدونهم عن سبيل الهدى والحق وذكر الكناية عن الإنسان والشياطين بلفظ الجمع، لأن قوله: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً} يفيد الجمع، وإن كان اللفظ على الواحد {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} يعني الشياطين يصدون الكفار عن السبيل، والكفار يحسبون أنهم مهتدون، ثم عاد إلى لفظ الواحد، فقال: {حتى إِذَا جَاءَنَا} يعني الكافر، وقرئ (جاءانا)، يعني الكافر وشيطانه، روي أن الكافر إذا بعث يوم القيامة من قبره أخذ شيطانه بيده، فلم يفارقه حتى يصيرهما الله إلى النار، فذلك حيث يقول: {قَالَ ياليت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين} والمراد يا ليت حصل بيني وبينك بعد على أعظم الوجوه، واختلفوا في تفسير قوله: {بُعْدَ المشرقين} وذكروا فيه وجوهاً الأول: قال الأكثرون: المراد بعد المشرق والمغرب، ومن عادة العرب تسمية الشيئين المتقابلين باسم أحدهما، قال الفرزدق:
لنا قمراها والنجوم الطوالع ***
يريد الشمس والقمر، ويقولون للكوفة والبصرة: البصرتان، وللغداة والعصر: العصران، ولأبي بكر وعمر: العمران، وللماء والتمر: الأسودان الثاني: أن أهل النجوم يقولون: الحركة التي تكون من المشرق إلى المغرب، هي حركة الفلك الأعظم، والحركة التي من المغرب إلى المشرق، هي حركة الكواكب الثابتة، وحركة الأفلاك الممثلة التي للسيارات سوى القمر، وإذاكان كذلك فالمشرق والمغرب كل واحد منهما مشرق بالنسبة إلى شيء آخر، فثبت أن إطلاق لفظ المشرق على كل واحد من الجهتين حقيقة الثالث: قالوا يحمل ذلك على مشرق الصيف ومشرق الشتاء وبينهما بعد عظيم، وهذا بعيد عندي، لأن المقصود من قوله: {ياليت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين} المبالغة في حصول البعد، وهذه المبالغة إنما تحصل عن ذكر بعد لا يمكن وجود بعد آخر أزيد منه، والبعد بين مشرق الصيف ومشرق الشتاء ليس كذلك، فيبعد حمل اللفظ عليه الرابع: وهو أن الحس يدل على أن الحركة اليومية إنما تحصل بطلوع الشمس من المشرق إلى المغرب، وأما القمر فإنه يظهر في أول الشهر في جانب المغرب، ثم لا يزال يتقدم إلى جانب المشرق، وذلك يدل على أن مشرق حركة القمر هو المغرب، وإذا ثبت هذا فالجانب المسمى بالمشرق هو مشرق الشمس، ولكنه مغرب القمر، وأما الجانب المسمى بالمغرب، فإنه مشرق القمر ولكنه مغرب الشمس، وبهذا التقدير يصح تسمية المشرق والمغرب بالمشرقين، ولعل هذا الوجه أقرب إلى مطابقة اللفظ ورعاية المقصود من سائر الوجوه، والله أعلم.
ثم قال تعالى: {فَبِئْسَ القرين} أي الكافر يقول لذلك الشيطان يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين أنت، فهذا ما يتعلق بتفسير الألفاظ، والمقصود من هذا الكلام تحقير الدنيا وبيان ما في المال والجاه من المضار العظيمة، وذلك لأن كثرة المال والجاه تجعل الإنسان كالأعشى عن مطالعة ذكر الله تعالى ومن صار كذلك صار جليساً للشيطان ومن صار كذلك ضل عن سبيل الهدى والحق وبقي جليس الشيطان في الدنيا وفي القيامة، ومجالسة الشيطان حالة توجب الضرر الشديد في القيامة بحيث يقول الكافر يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين أنت فثبت بما ذكرنا أن كثرة المال والجاه توجب كمال النقصان والحرمان في الدين والدنيا، وإذا ظهر هذا فقد ظهر أن الذين قالوا: {لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31]، قالوا كلاماً فاسداً وشبهة باطلة.
ثم قال تعالى: {وَلَن يَنفَعَكُمُ اليوم إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ} فقوله: {أَنَّكُمْ} في محل الرفع على الفاعلية يعني ولن ينفعكم اليوم كونكم مشتركين في العذاب والسبب فيه أن الناس يقولون المصيبة إذا عمت طابت، وقالت الخنساء في هذا المعنى:
ولولا كثرة الباكين حولي *** على إخوانهم لقتلت نفسي
ولا يبكون مثل أخي ولكن *** أعزي النفس عنه بالتأسي
فبيّن تعالى أن حصول الشركة في ذلك العذاب لا يفيد التخفيف كما كان يفيده في الدنيا والسبب فيه وجوه:
الأول: أن ذلك العذاب شديد فاشتغال كل واحد بنفسه يذهله عن حال الآخر، فلا جرم الشركة لا تفيد الخفة الثاني: أن قوماً إذا اشتركوا في العذاب أعان كل واحد منهم صاحبه بما قدر عليه فيحصل بسببه بعض التخفيف وهذا المعنى متعذر في القيامة الثالث: أن جلوس الإنسان مع قرينه يفيده أنواعاً كثيرة من السلوة. فبيّن تعالى أن الشيطان وإن كان قريناً إلا أن مجالسته في القيامة لا توجب السلوة وخفة العقوبة وفي كتاب ابن مجاهد عن ابن عامر قرأ {إِذَا ظَّلَمْتُمْ إِنَّكُمْ} بكسر الألف وقرأ الباقون أنكم بفتح الألف، والله أعلم.


{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (40) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)}
اعلم أنه تعالى لما وصفهم في الآية المتقدمة بالعشي وصفهم في هذه الآية بالصمم والعمى وما أحسن هذا الترتيب، وذلك لأن الإنسان في أول اشتغاله بطلب الدنيا يكون كمن حصل بعينه رمد ضعيف، ثم كلما كان اشتغاله بتلك الأعمال أكثركان ميله إلى الجسمانيات أشد وإعراضه عن الروحانيات أكمل، لما ثبت في علوم العقل أن كثرة الأفعال توجب حصول الملكات الراسخة فينتقل الإنسان من الرمد إلى أن يصير أعشى فإذا واظب على تلك الحالة أياماً أخرى انتقل من كونه أعشى إلى كونه أعمى، فهذا ترتيب حسن موافق لما ثبت بالبراهين اليقينية، روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في دعاء قومه وهم لا يزيدون إلا تصميماً على الكفر وتمادياً في الغي، فقال تعالى: {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم أَوْ تَهْدِي العمي} يعني أنهم بلغوا في النفرة عنك وعن دينك إلى حيث إذا أسمعتهم القرآن كانوا كالأصم، وإذا أريتهم المعجزات كانوا كالأعمى، ثم بيّن تعالى أن صممهم وعماهم إنما كان بسبب كونهم في ضلال مبين.
ولما بيّن تعالى أن دعوته لا تؤثر في قلوبهم قال: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} يريد حصول الموت قبل نزول النقمة بهم {فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ} بعدك أو نرينك في حياتك ما وعدناهم من الذل والقتل فإنا مقتدرون على ذلك، واعلم أن هذا الكلام يفيد كمال التسلية للرسول عليه السلام لأنه تعالى بيّن أنهم لا تؤثر فيهم دعوته واليأس إحدى الراحتين، ثم بيّن أنه لابد وأن ينتقم لأجله متهم إما حال حياته أو بعد وفاته، وذلك أيضاً يوجب التسلية، فبعد هذا أمره أن يستمسك بما أمره تعالى، فقال: {فاستمسك بالذى أُوحِىَ إِلَيْكَ} بأن تعتقد أنه حق وبأن تعمل بموجبه فإنه الصراط المستقيم الذي لا يميل عنه إلا ضال في الدين.
ولما بيّن تأثير التمسك بهذا الدين في منافع الدين بيّن أيضاً تأثيره في منافع الدنيا فقال: {وإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} أي إنه يوجب الشرف العظيم لك ولقومك حيث يقال إن هذا الكتاب العظيم أنزله الله على رجل من قوم هؤلاء، واعلم أن هذه الآية تدل على أن الإنسان لابد وأن يكون عظيم الرغبة في الثناء الحسن والذكر الجميل، ولو لم يكن الذكر الجميل أمراً مرغوباً فيه لما منَّ الله به على محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} ولما طلبه إبراهيم عليه السلام حيث قال: {واجعل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِي الأخرين} [الشعراء: 84] ولأن الذكر الجميل قائم مقام الحياة الشريفة، بل الذكر أفضل من الحياة لأن أثر الحياة لا يحصل إلا في مسكن ذلك الحي، أما أثر الذكر الجميل فإنه يحصل في كل مكان وفي كل زمان.
ثم قال تعالى: {وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ} وفيه وجوه:
الأول: قال الكلبي تسألون هل أديتم شكر إنعامنا عليكم بهذا الذكر الجميل الثاني: قال مقاتل المراد أن من كذب به يسأل لم كذبه، فيسأل سؤال توبيخ الثالث: تسألون هل عملتم بما دل عليه من التكاليف، واعلم أن السبب الأقوى في إنكار الكفار لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولبغضهم له أنه كان ينكر عبادة الأصنام، فبيّن تعالى أن إنكار عبادة الأصنام ليس من خواص دين محمد صلى الله عليه وسلم، بل كل الأنبياء والرسل كانوا مطبقين على إنكاره فقال: {وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ} وفيه أقوال الأول: معناه واسأل مؤمني أهل الكتاب أي أهل التوراة والإنجيل فإنهم سيخبرونك أنه لم يرد في دين أحد من الأنبياء عبادة الأصنام، وإذا كان هذا الأمر متفقاً عليه بين كل الأنبياء والرسل وجب أن لا يجعلوه سبباً لبغض محمد صلى الله عليه وسلم.
والقول الثاني: قال عطاء عن ابن عباس لما أسرى به صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى بعث الله له آدم وجميع المرسلين من ولده، فأذن جبريل ثم أقام فقال: يا محمد تقدم فصل بهم فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال له جبريل عليه السلام واسأل يا محمد من أرسلنا من قبلك من رسلنا الآية، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا أسأل لأني لست شاكاً فيه».
والقول الثالث: أن ذكر السؤال في موضع لا يمكن السؤال فيه يكون المراد منه النظر والاستدلال، كقول من قال: سل الأرض من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك، فإنها إن لم تجبك جواباً أجابتك اعتباراً، فهاهنا سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء الذين كانوا قبله ممتنع، فكان المراد منه انظر في هذه المسألة بعقلك وتدبر فيها بفهمك، والله أعلم.


{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآَيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ (56)}
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن المقصود من إعادة قصة موسى عليه السلام وفرعون في هذا المقام تقرير الكلام الذي تقدم، وذلك لأن كفار قريش طعنوا في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بسبب كونه فقيراً عديم المال والجاه، فبيّن الله تعالى أن موسى عليه السلام بعد أن أورد المعجزات القاهرة الباهرة التي لا يشك في صحتها عاقل أورد فرعون عليه هذه الشبهة التي ذكرها كفار قريش فقال: إني غني كثير المال والجاه، ألا ترون أنه حصل لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي، وأما موسى فإنه فقير مهين وليس له بيان ولسان، والرجل الفقير كيف يكون رسولاً من عند الله إلى الملك الكبير الغني، فثبت أن هذه الشبهة التي ذكرها كفارمكة وهي قولهم: {لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] وقد أوردها بعينها فرعون على موسى، ثم إنا انتقمنا منهم فأغرقناهم، والمقصود من إيراد هذه القصة تقرير أمرين أحدهما: أن الكفار والجهال أبداً يحتجون على الأنبياء بهذه الشبهة الركيكة فلا يبالي بها ولا يلتفت إليها والثاني: أن فرعون على غاية كمال حاله في الدنيا صار مقهوراً باطلاً، فيكون الأمر في حق أعدائك هكذا، فثبت أنه ليس المقصود من إعادة هذه القصة عين هذه القصة، بل المقصود تقرير الجواب عن الشبهة المذكورة، وعلى هذا فلا يكون هذا تقريراً للقصة ألبتة وهذا من نفائس الأبحاث، والله أعلم.
المسألة الثانية: في تفسير الألفاظ ذكر تعالى أنه أرسل موسى بآياته وهي المعجزات التي كانت مع موسى عليه السلام إلى فرعون وملائه أي قومه، فقال موسى إني رسول ربّ العالمين، فلما جاءهم بتلك الآيات إذا هم منها يضحكون، قيل إنه لما ألقى عصاه صار ثعباناً، ثم أخذ فعاد عصاً كما كان ضحكوا، ولم عرض عليهم اليد البيضاء ثم عادت كما كانت ضحكوا، فإن قيل كيف جاز أن يجاب عن لما بإذا الذي يفيد المفاجأة؟ قلنا لأن فعل المفاجأة معها مقدر كأنه قيل فلما جاءهم بآياتنا فاجأوا وقت ضحكهم.
ثم قال: {وَمَا نُرِيِهِم مّنْ ءايَةٍ إِلاَّ هِىَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} فإن قيل ظاهر اللفظ يقتضي كون كل واحد منها أفضل من التالي وذلك محال، قلنا إذا أُريد المبالغة في كون كل واحد من تلك الأشياء بالغاً إلى أقصى الدرجات في الفضيلة، فقد يذكر هذا الكلام بمعنى أنه لا يبعد في أناس ينظرون إليها أن يقول هذا إن هذا أفضل من الثاني، وأن يقول الثاني لا بل الثاني أفضل، وأن يقول الثالث بل الثالث أفضل، وحينئذ يصير كل واحد من تلك الأشياء مقولاً فيه إنه أفضل من غيره.
ثم قال تعالى: {وأخذناهم بالعذاب لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي عن الكفر إلى الإيمان، قالت المعتزلة هذا يدل على أنه تعالى يريد الإيمان من الكل وأنه إنما أظهر تلك المعجزات القاهرة لإرادة أن يرجعوا من الكفر إلى الإيمان، قال المفسرون ومعنى قوله: {وأخذناهم بالعذاب} أي بالأشياء التي سلطها عليها كالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس.
ثم قال تعالى: {وَقَالُواْ ياأيه الساحر ادع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} فإن قيل كيف سموه بالساحر مع قولهم: {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ}؟ قلنا فيه وجوه:
الأول: أنهم كانوا يقولون للعالم الماهر ساحر، لأنهم كانوا يستعظمون السحر، وكما يقال في زماننا في العامل العجيب الكامل إنه أتى بالسحر الثاني: {وَقَالُواْ ياأيه الساحر} في زعم الناس ومتعارف قوم فرعون كقوله: {يأَيُّهَا الذي نُزّلَ عَلَيْهِ الذكر إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: 6] أي نزل عليه الذكر في اعتقاده وزعمه الثالث: أن قولهم: {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} وقد كانوا عازمين على خلافه ألا ترى إلى قوله: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ العذاب إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} فتسميتهم إياه بالسحر لا ينافي قولهم: {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} ثم بيّن تعالى أنه لما كشف عنهم العذاب نكثوا ذلك العهد.
ولما حكى الله تعالى معاملة فرعون مع موسى، حكى أيضاً معاملة فرعون معه فقال: {ونادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ} والمعنى أنه أظهر هذا القول فقال: {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهار تَجْرِى مِن تَحْتِى} يعني الأنهار التي فصلوها من النيل ومعظمها أربعة نهر الملك ونهر طولون ونهر دمياط ونهر تنيس، قيل كانت تجري تحت قصره، وحاصل الأمر أنه احتج بكثرة أمواله وقوة جاهه على فضيلة نفسه.
ثم قال: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مّنْ هذا الذي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} وعنى بكونه مهيناً كونه فقيراً ضعيف الحال، وبقوله: {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} حبسة كانت في لسانه، واختفلوا في معنى أم هاهنا فقال أبو عبيدة مجازها بل أنا خير، وعلى هذا فقد تم الكلام عند قوله: {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} ثم ابتدأ فقال: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ} بمعنى بل أنا خير، وقال الباقون أم هذه متصلة لأن المعنى أفلا تبصرون أم تبصرون إلا أنه وضع قوله: {أَنَا خَيْرٌ} موضع تبصرون، لأنهم إذا قالوا له أنت خير فهم عنده بصراء، وقال آخرون إن تمام الكلام عند قوله: {أَمْ} وقوله: {أَنَا خَيْرٌ} ابتداء الكلام والتقدير أفلا تبصرون أم تبصرون لكنه اكتفى فيه بذكر أم كما تقول لغيرك: أتأكل أم أي أتأكل أم لا تأكل، تقتصر على ذكر كلمة أم إيثاراً للاختصار فكذا هاهنا، فإن قيل أليس أن موسى عليه السلام سأل الله تعالى أن يزيل الرتة عن لسانه بقوله: {واحلل عُقْدَةً مّن لّسَانِى يَفْقَهُواْ قَوْلِي} [طه: 27] فأعطاه الله تعالى ذلك بقوله: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى} [طه: 36] فكيف عابه فرعون بتلك الرتة؟ والجواب: عنه من وجهين:
الأول: أن فرعون أراد بقوله: {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} حجته التي تدل على صدقه فيما يدعي ولم يرد أنه لا قدرة له على الكلام والثاني: أنه عابه بما كان عليه أولاً، وذلك أن موسى كان عند فرعون زماناً طويلاً وفي لسانه حبسة، فنسبه فرعون إلى ما عهده عليه من الرتة لأنه لم يعلم أن الله تعالى أزال ذلك العيب عنه.
ثم قال: {فَلَوْلاَ أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مّن ذَهَبٍ} والمراد أن عادة القوم جرت بأنهم إذا جعلوا واحداً منهم رئيساً لهم سوروه بسوار من ذهب وطوقوه بطوق من ذهب، فطلب فرعون من موسى مثل هذه الحالة، واختلف القراء في أسورة فبعضهم قرأ أسوِرَة وآخرون أساورة فأسورة جمع سوار لأدنى العدد، كقولك حمار وأحمرة وغراب وأغربة، ومن قرأ أساورة فذاك لأن أساوير جمع أسوار وهو السوار فأساورة تكون الهاء عوضاً عن الياء، نحو بطريق وبطارقة وزنديق وزنادقة وفرزين وفرازنة فتكون أساورة جمع أسوار، وحاصل الكلام يرجع إلى حرف واحد وهو أن فرعون كان يقول أنا أكثر مالاً وجاهاً، فوجب أن أكون أفضل منه فيمتنع كونه رسولاً من الله، لأن منصب النبوة يقتضي المخدومية، والأخس لا يكون مخدوماً للأشرف، ثم المقدمة الفاسدة هي قوله من كان أكثر مالاً وجاهاً فهو أفضل وهي عين المقدمة التي تمسك بها كفار قريش في قولهم: {لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] ثم قال: {أَوْ جَاء مَعَهُ الملئكة مُقْتَرِنِينَ} يجوز أن يكون المراد مقرنين به، من قولك قرنته به فاقترن وأن يكون من قولهم اقترنوا بمعنى تقارنوا، قال الزجاج معناه يمشون معه فيدلون على صحة نبوته.
ثم قال تعالى: {فاستخف قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} أي طلب منهم الخفة في الإتيان بما كان يأمرهم به فأطاعوه {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فاسقين} حيث أطاعوا ذلك الجاهل الفاسق {فَلَمَّا ءاسَفُونَا} أغضبونا، حكي أن ابن جريج غضب في شيء فقيل له أتغضب يا أبا خالد؟ فقال قد غضب الذي خلق الأحلام إن الله يقول: {فَلَمَّا ءاسَفُونَا} أي أغضبونا.
ثم قال تعالى: {انتقمنا مِنْهُمْ} واعلم أن ذكر لفظ الأسف في حق الله تعالى محال وذكر لفظ الانتقام وكل واحد منهما من المتشابهات التي يجب أن يصار فيها إلى التأويل، ومعنى الغضب في حق الله إرادة العقاب، ومعنى الانتقام إرادة العقاب لجرم سابق.
ثم قال تعالى: {فجعلناهم سَلَفاً وَمَثَلاً} السلف كل شيء قدمته من عمل صالح أو قرض فهو سلف والسلف أيضاً من تقدم من آبائك وأقاربك واحدهم سالف، ومنه قول طفيل يرثي قومه:
مضواً سلفاً قصد السبيل عليهم *** وصرف المنايا بالرجال تقلب
فعلى هذا قال الفراء والزجاج يقول: جعلناهم متقدمين ليتعظ بهم الآخرون، أي جعلناهم سلفاً لكفار أمة محمد عليه السلام. وأكثر القراء قرأوا بالفتح وهو جمع سالف كما ذكرناه، وقرأ حمزة والكسائي {سَلَفاً} بالضم وهو جمع سلف، قال الليث: يقال سلف بضم اللام يسلف سلوفاً فهو سلف أي متقدم، وقوله: {وَمَثَلاً للأَخِرِينَ} يريد عظة لمن بقي بعدهم وآية وعبرة، قال أبو علي الفارسي المثل واحد يراد به الجمع، ومن ثم عطف على سلف، والدليل على وقوعه على أكثر من واحد قوله تعالى: {ضَرَبَ الله مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ على شَيء وَمَن رَّزَقْنَاهُ} [النحل: 75] فأدخل تحت المثل شيئين، والله أعلم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5